بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه .
أما بعد :
فإن الشيخ العلامة جمال الدين القاسمي الدمشقي المتوفى سنة ١٣٣٢ هـ كان أحد كبار
علماء عصره السلفيين المجتهدين المبرزين، تشهد له بذلك مؤلفاته الكثيرة البديعة النفيسة . وقد تأثر الشيخ القاسمي بدعوة الشيخ محمد رشيد رضا إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية الم ختلفة، والتي أطلقها في مجلة المنار، فألف رسالته ميزان الجرح والتعديل التي طغى فيها التأثر العاطفي بدعوة التقريب على المنهج العلمي الصحيح، فزعم القاسمي أن الأئمة المحدثين كانوا متسامحين مع أهل البدع مقرين بفضلهم، واستدل على ذلك بروايتهم عمن وصف بشيء من البدع، ودعا المعاصرين أن يقتدوا بأسلافهم في التسامح مع المبتدعة في هذا العصر، وترك الإنكار عليهم، والنظر إليهم على أنهم مجتهدون مأجورون .
والأساس الذي بنى عليه القاسمي نتائجه غير صحيح، فلم يكن المحدثون متسامحين مع أهل
البدع، بل كان لهم معهم موقف حازم ومنهج صارم لا مهاودة فيه ولا محاباة، وأما روايتهم عمن
وصف بشيء من البدع فليس هذا مذهب جميع المحدثين، فقد امتنعت طائفة من المحدثين من
التحديث عنهم مطلقا، والرواة الذين وصفوا بشيء من البدع كثير منهم لم تثبت عليه تلك البدعة
١٩٤ مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها، ج ١٩ ، ع ٤١ ، جمادى الثاني ١٤٢٨ هـ
التي رمي بها، ومعظمهم على منهج أهل السنة وا لجماعة إلا في مخالفات يسيرة رموا من أجلها
بالبدعة، وهم مجتهدون فيها، فلا تزول عدالتهم بذلك، ولا يصح وصفهم بأنهم من أهل الفرق
المبتدعة الضالة، ويلحقون بهم، ويطلب أن يعامل الجميع معاملة واحدة كما فعل القاسمي.
وأما من ثبتت عليه البدعة بمفهومها الكامل ممن روي عنهم الحديث فعددهم قليل جدا، ورواية من روى عنهم من المحدثين لا تعني عدالتهم عندهم، وإنما حملهم على الرواية عنهم ضرورة حفظ السنة، واتخذوا مع ذلك احتياطات كثيرة حفظا للسنة وصيانة لمنهج أهل السنة الجماعة في معاملة أهل البدع .
وصلى الله وسلم على نبيه الأمين وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين .
رابط التحميل
